الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

مخاطر التلوث في مجال النشوء الحي






















البيئة هي مفهوم منبثق عن تكوين مكون من تفاعل عناصر مختلفة متوالفة ومتفقة ضمناً وتداخلاً لإعطاء الوجود قدرة الحياة ويمكن أن نعبر عنها اختصاراً بأنها مجال النشوء الحي ، إنه المحيط المتنوع للوجود بكل أشكاله الغازية والسائلة والصلبة ، الحي وغير الحي ، فالتوازن البيئي مرتبط بالوجود الكلي للأحياء ولوازمها الضرورية وأي تغيير لمجرى نوعي معين في الوجود الطبيعي يرافقه نمو واقع تعويضي آخر لسد الخلل الحاصل في مجال النشوء الحي وعندما يصل النقص درجة لم يعد قادراً على تعويض ذاته يختل التوازن ويحصل الضرر في مجال النشوء الحي .
فالنظام البيئي واقع متكامل ومتفاعل تتحدد مجريات الوجود فيه على المساهمة الحرة والاستهلاك المتبادل والبناء المنظم واعتماد الأحياء على الوجود الحي والوسائل المرافقة له للحفاظ على واقع منسجم في وجوده وقائم بذاته قاهراً جميع المؤثرات على وجوده وعندما تبلغ المؤثرات أكثر من طاقته على الاستيعاب يختل التوازن وينجرف نحو الدمار .
فالعنصر الإنتاجي الأساسي في حلقة الوجود الحي هو الغطاء النباتي بكل أنواعه لأنه يؤمن انتقال المواد من الحالة غير العضوية إلى الحالة العضوية بالاعتماد على عناصر فاعله كالماء والأوكسجين وثاني أكسيد الكربون والطاقة الشمسية والعناصر المعدنية والطاقة الحيوية ، والمؤثرات الصوتية والكمونية والوعي البيئي والتناغم الكوني والقدرة الذاتية أو العقل .
فالعناصر الاستهلاكية تعتمد عضوياً في وجودها الحي على عناصر الإنتاج لتؤمن وجودها الحي في جوٍ مليء بالاضطراب مكون من سلسلة التغذية المتتابعة ضمن أوساط بيئية مختلفة كالبحار والأنهار والغابات وطبقة التربة السطحية والصحارى وغيرها ، والحياة تبقى مستمرة عن طريق التعويض المستمر لأنواع تفقد باستمرار وعندما يعجز التعويض عن تأمين التواصل والتبادل يصبح عندها مجال النشوء الحي مهدداً في صميمه ، فالتعاون المتلازم بين النظام الحي والنظام غير الحي يخلق وجوداً مستمراً لكلا النظامين وتعزيز الطاقة الخلاقة لهذا الوجود .
فالملوثات الضارة للنظام البيئي وفوضى التأثيرات على مجال النشوء الحي يؤدي إلى نشوء فوضى في علاقات النظم الحية مع النظم غير الحية بشكل يؤدي إلى نشوء إضطرابات عنيفة وشديدة التأثير على الحياة الطبيعية مما يساعد على نقل الفوضى إلى الواقع الإنساني وتزايد الملامح المؤثرة على السلامة الإنسانية وتعرض وجودها إلى الخطر المتواصل .
فالهواء أحد المكونات الأساسية للمجال الحيوي بشكل يجعله فاعلاً في تكوين الحياة ونموها وتنوعها وهو أحد معايير السلامة فيها لأن تفاعله المباشر مع الأحياء يحافظ على وجودها ويعطيها قدرة الاستمرار. فالتلوث الناتج عن العوادم بمختلف أشكالها تؤثر على تركيبته الأساسية وتغير فاعلية الحياة فيه من فاعلية حية ومنشطة إلى فاعلية قاتلة ، فالزيادة المتواصلة لغاز ثاني أوكسيد الكربون يرفع المستوى الحراري لجو الأرض وقد يؤدي إلى كوارث طبيعية مع توالي الزمن من خلال الذوبان التدريجي للغطاء الجليدي في دائرة القطبين والجبال الدائمة التجمد ، كما أن الزيادة من هذا الغاز وغاز ثاني أوكسيد الكبريت في الجو يؤثر على الكائنات الحية والإنسان ويزيد من نسبة الأمطار الحمضية فوق المناطق الصناعية الكثيفة السكان والتزايد المطرد للغازات الضارة في تركيبة الهواء وبالأخص أول أوكسيد الكربون يتزايد الخطر على الصحة العامة نظراً لقوة النشاط التفاعلي لهذا الغاز مع الدم وتشكيل الخثيرات الدموية المؤدية إلى انسداد الشرايين وشل الطاقة الحيوية عند الإنسان ، فالضباب الكثيف فوق المدن يؤجج النفور العام من هذا الواقع الخانق ويشعر الإنسان بالضيق الشديد لدرجة سيلان الدمع من العيون .
والتلوث عن الرصاص المنطلق من العوادم في الجو وغيره من الغازات الأخرى وانتشار حالات من الانقلاب الحراري الحاصل في أجواء المدن نتيجة تركز الهواء الدافئ فوق طبقة من الهواء البارد المجاور لطبقة الأرض مما يؤدي إلى توقف الدورة الهوائية الصاعدة والنازلة تؤدي إلى تزايد التأثير السلبي على الجهاز التنفسي وقد يؤدي إلى مشاكل تنفسية حادة نزيد من نسبة الوفيات لعدم قدرة العديد من الناس على التكيف مع هذا الواقع المتشكل والناتج عن صنع الإنسان نفسه .
فالتزايد المطرد للعوالق والمواد السامة في الهواء يرفع نسبة الإصابة بأمراض متنوعة وخطرة تهاجم الحياة الإنسانية في المرحلة الراهنة ويزداد تأثير الأمراض المهنية الناجمة عن العمل في أجواء ملوثة بمركبات كيماوية متنوعة وفق الحالات التي يعمل ضمنها العامل وقد أعدت جداول بالأمراض المهنية المعروفة ولاتزال نسبة هذه الأمراض في تزايد وارتفاع ، فالنسبة المرتفعة من العوالق والمعادن النادرة كالزرنيخ والرصاص والأحماض وغيرها نظراً لتزايد المعدلات العامة للصناعة ومفاعلات الطاقة النووية وزيادة التأثير المدمر للتلوث الجوي وضع العالم أمام مهام كبرى غايتها التوصل إلى اتفاقية دولية تلزم جميع الدول الصناعية وغير الصناعية في العالم لتوفير معدلات عالية من الحماية للحد من ظاهرة التلوث في المحيط الكوكبي كما حدث في اتفاقية كيوتو .
فالتزايد المطرد لتأثير غازات الكلور فلور كربون وأكسيد النتروجين يؤدي إلى نقص متزايد في طبقة الأوزون من جراء اقتناص عدد هائل من عنصر الأكسجين المولد لهذه الطبقة الحيوية والهامة في الغلاف الجوي لأنها تقوم بمنع الأشعة فوق البنفسجية من الدخول إلى سطح الأرض بكميات تؤثر على عمليات التمثيل الغذائي ( الأيض ) في النبات وكثير من الحيوانات والإنسان ، ناشرة مواد مسرطنة للجلد ومؤدية إلى نقص كبير في المحاصيل الزراعية والأسماك مما يؤدي إلى تعريض ملايين الناس للجوع في أجزاء كبيرة من المعمورة .
فالمياه الحمضية زائدة تغمر مناطق واسعة من العالم وتسبب في تلويث التربة وأقنية الري والأنهار والبحيرات مما يضعف قدرتها على احتواء العامل الحيوي في بنيتها ، فالتربة الحمضية تسمم النبات والحشرات ، والبحيرات الحمضية تسمم الأسماك وتفسد الأحياء الدقيقة فيها بشكل يؤدي إلى إضعاف الإنتاج الغذائي في العالم ويؤدي إلى الإضرار بالمجال الحيوي للحياة ويقلل من قدرتها الفاعلة لاحتواء الأحياء وإن البدء بإتخاذ إجراءات مهمة ومكملة لتنقية مداخن المصانع من العناصر الحمضية تزيد من فعالية الوقاية العالمية من هذا الخطر ويوسع الآفاق الحية والشعور الكامل بالمسؤولية الإنسانية .
توجد عوامل وأنشطة طبيعية تسهم في تلويث مجال النشوء الحي ، فالنشاط البركاني يؤثر على الجو ناشراً كمية هائلة من الغبار والدخان والحمم تؤدي إلى وجود سحابة هائلة تستمر فترة من الزمن ينقلها الهواء وتتفاعل مع الوسط الطبيعي محدثة خللاً في بنيته الأساسية سواء في البحار واليابسة وتحتوي طاقة ومواد مصهورة تزيد من الحرارة وتؤدي إلى طمي مساحات كبيرة من الأراضي تقضي على جميع النباتات فيها وتحول الواقع المجاور إلى غيوم حمضية تتساقط مع المطر ملوثة كل ماتقع عليه ومحدثة تخريباً كبيراً في محيطها الحي .
كما أن الرياح تنشر التلوث الجوي فالرياح القادمة من الصحراء تكون محملة بالغبار بدرجة كبيرة تجعل الأجواء داكنة وتنشر هذا الغبار على مسافات واسعة مغطية مناطق بالرمال والغبار تؤدي إلى تلويث المناطق التي تقع عليها كما تفعل رياح الخماسين في مصر والهبوب في السودان والسموم في الشرق الأوسط ، فالاشتراك التلويثي بين الملوثات المستقلة عن إرادة الناس والملوثات الناتجة عن إرادة الناس وأعمالهم تصل إلى حد تراكمي يهدد البشرية وكامل مجال النشوء الحي بالخطر .
فالماء ضرورة حياتية مرتبط عضوياً بجميع الكائنات الحية وهو الفاعل الأساسي في نمو النباتات ويدخل في إتمام جميع العمليات الحيوية فيها وهو مصدر أساسي من مصادر الحياة الكلية ويقوم بوسيلة اتصال دائم ، فالماء أينما كان في الجو أو في الينابيع والأنهار أو في البحار والبحيرات له فوائد لاتحصى فمن الضروري المحافظة على الماء من أخطار التلوث وعدم رمي المخلفات الصناعية ومياه المجارير في الأنهار والبحار لأنها تؤثر على البنية الحية في هذه الأجواء والقيام بإجراء تفاعلي بين البشر غايته الحفاظ على الثروة المائية من خطر التلوث الكامل والقيام بأعمال نشيطة على المستوى العالمي لإنقاذ الأحياء من الموت والأمراض الناتجة عن تلوث المياه ، فالأساس التكنولوجي مبني في أساسه على وفرة المياه وحاجتها الدائمة إليه وإن الإساءة إلى هذه الثروة الطبيعية يضع التطور التكنولوجي في دائرة الخطر ويحرم الحياة الإنسانية من متابعة وجودها المتقدم نظراً لتزايد تلويث المياه على وجه الأرض وعلى الإنسان باني هذا المجد العظيم أن يتابع احترامه لأساسيات الحياة وفي مقدمتها الماء .
فالتلوث الكيميائي الناتج عن المخلفات الصناعية هو أخطر أنواع الملوثات لأنه شديد السمية والتأثير على الكائنات الحية ، فالنواتج المتنوعة تتراوح بين قدرتها على الاشتعال نظراً لاحتوائها مواد طيارة ومنها ما يؤدي إلى استهلاك أكسجين الماء ، ومنها ما هو سام في طبيعته يتم صرفها جميعاً في مياه الأنهار والبحيرات المغلقة فتؤدي إلى تغيير البنية التكوينية للماء وتقضي على أشكال الحياة فيه والمزروعات المروية من مياهه تؤثر على بنيتها التكوينية وتركز في محتواها مواد سامة وخطرة . فالأماكن الصناعية الضخمة المنتشرة في جوار المدن وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات ترمي مخلفاتها الصناعية فيها بشكل يؤدي إلى تخريب مجرى النشوء الحي في هذه المناطق وتجلب الكثير من المؤثرات والتفاعلات الضارة بين البيئة والإنسان وتغير طبيعة الأنظمة الحية فيها .
فالأوساط الصناعية مسؤولة قانونياً عما يقع على الأحياء من أخطار في هذه المناطق وعليها بإتباع نظام البحث عن كافة الوسائل الكفيلة بتخفيف التلوث وإعادة نظام الحياة إلى وضعها الطبيعي وإزالة وتنقية هذه المخلفات بكافة أشكالها .
فالمنظفات تلعب دور سيئ في تلويث المياه نظراً لبنية محتواها من مواد عسرة على التحليل من الكائنات الحية الدقيقة والرغوة المتشكلة تغطي سطح الماء فتقلل كمية الأوكسجين المحلول فيه وتؤدي إلى القضاء على الكائنات الحية المستهلكة له فالحياة دائماً تحتاج إلى نظامها المعتاد وأي تغيير في طبيعة هذا النظام أكثر من قدرتها على التكيف ستنقرض وتنهي لا محالة .
أما التلوث الناتج عن العناصر الثقيلة كالزئبق والزرنيخ والرصاص والكاديوم وغيرها تمثل خطراً حقيقياً على الكائنات الحية لأن تزايد تركيزها في أنسجة بعض الأحياء يؤدي إلى تتابع تركيزها في أحياء أخرى تعتمد في تغذيتها على الكائنات الأولى مما يوسع الحلقة الحية الملوثة بهذه العناصر السامة يؤدي إلى اختلال النشاط الطبيعي والبيئي نظراً لتكاثر العناصر المفسدة للحياة والمؤدية في النهاية إلى الموت مما يدفع الوجود الإنساني لتنشيط الضوابط الأساسية لمنع تلويث المياه بالعناصر الثقيلة .
وتزداد السمية في المخلفات الصناعية الداخل في تركيبها المركبات الهالوجينية شديدة السمية مثل كلوريد الفانيل والديوكسين و د.د.ت و سي.بي.سي وهي مركبات منزوعة من البولميرات الصناعية والمنتجة بكميات كبيرة وهي ذات وظائف استعمالية في الحياة اليومية مثل العزل والتغليف والعديد من المركبات والمبيدات الحشرية وغيرها وهي مقاومة للإنحلال بالماء وتتصف بالثبات الشديد وخطرة جداً على الصحة العامة وضارة لكل الأحياء وأخطرها مادة الديوكسين المرافقة لصناعة بعض المواد كمبيدات الأعشاب .مثل إيجيت أورانج وهذا المركب الخطير نشرت آلاف الأطنان منه فوق غابات فيتنام لإسقاط أوراق أشجار الغابات فعانى المشاركون في الحرب والقاطنون في هذه المناطق من أمراض وتشوهات خطيرة استمرت عدة عقود من الزمن الأرضي. فالمركبات الهالوجينية مواد خطرة على الصحة بدرجة قياسية عالية ، ومن الواجب اتخاذ إجراءات فعالة لعزلها عن المخلفات الصناعية وتقليص وجودها إلى الحد النهائي لتجنب أخطارها القاتلة والمؤثرة على الصحة العامة وكافة الأحياء ضمن مجال النشوء الحي .
فالحوادث الطارئة في العالم و الناتجة عن المنشات الصناعية الضخمة تسهم في عملية انتشار التلوث وقد تؤدي إلى حوادث مأساوية في المناطق الجارية فيها كما حدث في محطة الطاقة النووية في تشرنوبل الروسية حيث انتشر الإشعاع وتسرب إلى المناطق المجاورة ، وقد كلف جهود جبارة لتطويق الحادث وحصار نتائجه وحادث فيزين جوار مدينة ليون الفرنسية حيث تم انفجار الخزانات المملوءة بغازي البيوتان والبروبان أوقعت ضحايا بشرية وبيئية ضخمة وحادث ملكسيورو شمالي لندن عندما تسرب غاز الهلكسان المضغوط مما أدى إلى انفجار الخزانات واشتعالها فسببت أضرار مادية وبشرية عالية ، وحادث بويال الشهير في الهند عندما وقع انفجار الخزانات المملوءة بغاز سام هو غاز إيسوسيان الميثيل وهو غاز سام في درجات الحرارة العادية يستخدم في صناعة المبيدات الحشرية وقد شعر أكثر من نصف مليون إنسان بالتهابات في العين والحنجرة إضافة إلى وفاة الكثير من الناس وهم نيام وأنجبت عدة حوامل أطفال أموات إضافة إلى الأخطار البيئية الناتجة عن هذا التسرب .
فالإنسان يطور الصناعة لتأمين الحاجات الإنسانية المتنامية ويفرض عليه الواجب في المقابل أن يرفع حدود الأمان في هذه الصناعات والمخلفات الناتجة عنها لتجنب وقوع أخطار كارثية فالحياة ليست لعبة بيد حفنة من المجهولين باعوا ضمائرهم وشوهوا وجه الحب الإنساني ليكون المال والربح المعنى الوحيد لوجودهم فالمال والجاه لايأخذ معناه خارج الوجود الإنساني نفسه وعندما يتضعضع هذا الوجود ويتهالك ، كيف للأموال أن تحقق لجامعها وجود ، فالغنى والثراء هما وجود اجتماعي في وسط إنساني ترتفع قدرتها الفاعلة بقدر فعالية العلاقات الإنسانية نفسها إنها علاقة معيارية لقيمتين مختلفتين في هذا الوجود .
والكل يعرف بأن التلوث بالمبيدات الحشرية واسع الانتشار في العالم نظراً للضرورة المتزايدة للتخلص من الحشرات والآفات الضارة بالمحاصيل الزراعية وأغلبية هذه المبيدات مشتقة من مركبات هالوجينية سامة وثابتة ومقاومة للتغيرات والذوبان وأكثرها إنتشاراً ( د.د.ت ) ومركباتها تنشر عن طريق الرش سواء بالطائرات أو بوسائل أرضية ويتم نشرها على النبات والتربة وفي الهواء فتنتقل عن طريق الأمطار أو الري لتدخل في بنية المياه الجوفية ومياه الأنهار والجداول وصولاً إلى البحار والبحيرات فالكائنات الحية تركز في جسمها هذه المواد فتنتقل من سلسلة غذائية إلى أخرى لتصل إلى الإنسان عبر طرق متعددة سواء من المحاصيل الزراعية أو لحوم الحيوانات أو الأسماك نظراً للترابط الوثيق بين الكائنات الحية فالتلوث سريع الانتقال في المنظومة الحية وقد يصل إلى مناطق بعيدة عن النشاط البشري فقد وصل التلوث إلى طبقات الثلج في القطب الجنوبي ، فالمجال المرتبط بالنشاط الحي سلسلة محكمة الاتصال تتأثر بالمواد السامة المنتشرة على هذا الكوكب وتؤدي إلى نقل التلوث إلى كل الكائنات ، فالحياة البحرية واسعة جداً تصل نسبتها إلى 70% من المساحة الإجمالية للكرة الأرضية ، وعلى الرغم من هذه المساحة الواسعة فإن التلوث بزيت النفط يزداد فيها باستمرار بطرق مختلفة ومتنوعة الأسباب منها ناتج عن غرق ناقلات النفط وتسرب محتوياتها إلى السطح وتشكيل بقع واسعة من هذه المادة فوق سطح البحر ، تؤثر على الكائنات الحية وتفقد الشواطئ جمالها المعتاد وتشبع الجو بالغاز المتطاير منها وتزايد المواد الثقيلة الناتجة عنها مثل القار المترسب في قاع البحار والمحيطات ويزداد التلوث أثناء عملية التنقيب عن النفط وتسرب بقايا النفط من بعض أنابيب الآبار وبعض الأنابيب المتواجدة على الشواطئ والناقلة للنفط من أماكن بعيدة ومنها ماهو ناتج عن إلقاء بعض السفن بقايا المياه من عنابرها إلى البحر والموضوعة لتأمين حالة التوازن للسفن وبعض التلوث ناتج عن الحروب كما حدث بين إيران والعراق وبين العراق والكويت وأطلق عليها حرب الناقلات وحرب إحراق آبار النفط الكويتية .
هناك بحار يزداد التلوث فيها بشكل أكبر كونها بحار شبه مغلقة مثل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وهي ممرات أساسية للناقلات النفطية . فالحياة البحرية والشاطئية تزداد تلوثاً بالنفط والطرق المتبعة للقضاء عليها ومحاصرتها تحتاج لعمليات شاقة ومكلفة ولايمكن تنظيفها بشكل كامل ومع الاستمرار في اعتبار البحار سلة مهملات لمخلفات الإنسان الصناعية والزراعية والنفطية يرفع من تلوثها بشكل ملحوظ وتتشكل في داخلها مواد شديدة السمية قاتلة للوجود الحي ومقاومة للتحلل مما يخلق واقعاً مربكاً بالنسبة للحياة البحرية بكافة أصنافها وبالتالي إحداث أزمات بيئية متكررة تؤثر على الواقع البشري بكامله ولابد من إتخاذ إجراءات وأساليب فعالة للتقليل قدر الإمكان من تسريب زيت النفط إلى البحار والعمل الجاد للوصول إلى واقع بحري نظيف قادر على إنتاج حياة بحرية سليمة خالية من المشتقات الضارة بالكائنات البحرية والإنسان ويتطلب تعاون دولي وثيق وفعال للحفاظ على بيئة بحرية سليمة ومستقرة .
وقد تزايدت في الآونة الأخيرة الأخطار الناتجة عن التلوث الإشعاعي بعد توصل البلدان الصناعية الكبرى إلى إقامة مفاعلات لإنتاج أسلحة التدمير الشامل ونهض العالم مذعوراً عندما ألقيت قنبلتين نوويتين فوق هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين فقد كان مجال الدمار واسعاً والموت جماعي ناتج عن انتشار الأشعة النووية والغبار النووي في الجو ، تألم العالم وتزايد التنبوء عن المصير المفجع للبشر لو تزايدت الأخطار من نشوء حرب نووية واسعة النطاق ، غير أن الوعي العالمي أخذ يدرك أكثر فأكثر بأن حرباً من هذا النوع تكون قاتلة للنوع بأكمله وعلى الرغم من إتخاذ إجراءات وقائية عالية المستوى فإن خطر تسرب الإشعاع من المحطات النووية استمر في الحدوث . فقد انفجر مفاعل نووي في ألمانيا وتسرب منه الوقود ناشراً كمية هائلة منه . وأحيط الحادث بالكتمان . وحدث تسرب آخر من محطة وقود نووية في بريطانيا وأمريكا وكان أخطرها أحداث تشرنوبل في الاتحاد السوفيتي سابقاً .
فالضعف البنيوي لمقاومة الإشعاع في الكائنات الحية والإنسان ينشأ عنها أمراض جلدية مختلفة وتشوهات خلقية ومأساوية .
وقد تزايد العمل المشترك لأجل الإقلال من الأضرار الناتجة عن الإشعاع في العالم ، فالاستخدام السلمي للطاقة النووية يجب أن يرافقها عوامل أمان عالية الدقة وتنامي التحكم العالمي في موضوع التخلص من النفايات المشعة المستهلكة لأن الكون الحي لايتحمل التزايد المطرد للإشعاع النووي سواء أكان مصدره كوني من خارج الوجود الأرضي أو من الوجود الأرضي نفسه لأن العالم بكل تنوعه يخشى من هذا الخطر القاتل ومخلفاته فاعلة ولامنتهية وهي قادرة على الانتشار في النبات والأحياء والماء والهواء والتراب وكامل التكوين العام المرتبط بالحياة البيئية ، فمن الأجدر والأنسب وضع الضوابط العملية والقواعد العلمية الفاعلة للتخلص من جميع آثار الإشعاع الضارة وتحقيق وجود آمن وخالي من الإشعاع .
يتأثر الكائن البشري بنوع آخر من التلوث يختلف من حيث المحتوى عن الملوثات الأخرى نظراً لكونه من طبيعة صوتية . هو التلوث الناتج عن الضجيج ، تلويث يؤثر على الحالة العصبية والنفسية للإنسان ويزداد انتشاراً في المدن الصناعية الكبرى والصادر عن الكم الهائل من الأصوات المنبعثة من جميع ميادين النشاط المختلفة سواء أكانت نشاطات صناعية أو أصوات صادرة عن سيارات النقل والطائرات والقطارات وكافة الأصوات الصادرة عن جميع الأجهزة الكهربائية المنزلية مثل الراديو والتلفزيون والخلاطات والمكانس وغيرها . هذه الملوثات تشكل أصواتاً خلفية غير مباشر وغير محددة المصدر تؤثر على نظام السمع وعلى البيئة المحيطة بالكائن الإنساني .
يضاف إليها الكم الهائل من الموجات الكهرومغناطيسية المنتشرة بكثافة في الجو وهي موجات ضعيفة الطاقة ، غير أن كثرتها ونوعها يؤثران على الأداء العقلي والجسمي للإنسان فقد يسببان بعض الأمراض الخطرة مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة إفراز أحماض المعدة والأمعاء وفي حالات معينة يؤثران على الجهاز المناعي وضعف الإخصاب وغيرها الكثير من العوامل المؤثرة على البنية العامة للحياة الإنسانية وطريقة تفاعلها مع الوسط الخارجي ، فقد بدأت الأبحاث وأجهزة المراقبة والوقاية العمل ضمن هذا المجال وتزايد الطلب على مكافحة هذا النوع من التلوث بإقتراح برامج ومشاريع غايتها التخفيف من حدة الضجيج وضبط المجال الكهرومغناطيسي بشكل يناسب الحياة الإنسانية على هذا الكوكب .

المرجع المعتمد :
التلوث مشكلة العصر – تأليف أحمد مدحت باشا – عالم المعرفة – العدد 152 – الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – دولة الكويت

ليست هناك تعليقات: