الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

طبيعة النشوء الحي






















1 - الحياة بداية سحيقة في الوجود :
الحياة واقع مؤسس في أساس الكون بشكل يعارض كل المفاهيم المتشكلة حول انفصال الحياة عن اللاحياة لأن احتواء العلاقة بين وجود الحياة وعدم وجودها مأخوذ من واقع الحياة فقط فالمعارف المتشكلة عن نشوء الحياة وتطورها من مصدر وحيد هو الإنسان فالمعرفة المسجلة والمدونة عن مجال النشوء الحي هي إنسانية بالكامل إنها مرتبطة بظهور الوعي وليس الوعي بشكله المجرد بل الوعي بشكله المدون 0 فالحقيقة الجوهرية عن وجود الحياة ومدى عمقها في الوجود الكوني قد تكون غير مدونة بعد . غير أن وجود الكتابة أسهمت في نقل الخبرة بشكل أكثر دقة واتساع ترافقت مع الغاية لتعزيز التفوق فالعقول لم تهيأ بما هو واجب لحفظ الوجود في عمقه وفي اتصاله اللانهائي ولا يمكن حفظ الحياة منذ النشوء إلى وقت التذكر لأنها مهمة غير ضرورية للعقل البشري ولا تدخل في إعطاءه قدرة أكبر للتكيف مع المتغيرات الكونية ولا مع التغيرات الحية فالتعامل مع الأحقاب تبلغ مئات الألوف من السنين الأرضية تجعل من ضخامة التراكم الحي منذ بداية الحياة ما يفوق قدراتنا الإدراكية المباشرة بما يستوجب إتباع أساليب معرفية غير مباشرة لنغطي التوق الشديد لمعرفة البداية السحيقة للوجود الحي كمثل أعمى يشكل تطورات وأفكار عن أشياء من خلال اللمس .
فالفكرة المنتقاة من الطرح العقلي لنظرية الانفجار الكوني وضعت النظام الأساسي لنشوء التفاعلات وظهور الإشعاع الكوني يوضح همس الانفجار الأول بما يوافق ظهور الانزياح في الأشعة الحمراء ليؤكد حقيقة أخرى بأن الكون يتمدد وبشكل دائم فالانتشار الهائل للفوتونات في المحيط الهائل من الوجود الكوني العميق التواجد والمعزز بالطاقة يتوالف مع حقائق انبثاقية تغلف الكون بومض الحركة المجردة والمرافقة لعمق التكوين وتتالي التشكل لعناصر الدقة الفائقة في الوجود ذاته فالتعمق الهائل في العمق الكوني يتابعه العقل الإنساني بتوافق إستدلالي من الوجود الكوني ذاته فجميع الأفكار القائمة هي معطيات كونية قائمة خارج وجود العقل بما يؤكد أن التبادل المعرفي بين العقل الإنساني والكوني قائم على الملاحظة الدقيقة والصورة العقلية المشكلة عنها إنه تتابع ينسجم مع وجود الكون بما يؤكد بأن التكثيف والتبريد الشديد للطاقة أحدث التكوين العام للمجرات والنجوم .
فالتمدد الكوني قائماً حتى العودة وارتباط التجاذب المادي مع النشوء الكوني فشكل النجوم والكواكب وأحداث الترابط المنظم بينها كما فعلت الحرارة الناجمة عن الاندماج النووي في منع النجوم من الانهيار والتوزع وتناسب الاحتراق الحراري مع حجم النجوم فالنجوم الكبيرة تحترق بسرعات أكبر من النجوم الصغيرة نظراً للتزايد الحراري الكمي وعند نفاذ الوقود النووي لنجم ينتج عن الاندماج النووي مواد مثل الكربون والنتروجين والهيدروجين والهليوم تستخدم لإنتاج عناصر أكثر ثقلاً فالحديد ينتشر في الفضاء بعد خمود النجم من توهجه الحراري فالعناصر الناتجة عن الإنفجارات الكوكبية هي المصدر الأساسي لجميع العناصر التي يحتاجها النشوء الحي في بناء وجوده الطبيعي .
فالمجموعة الشمسية التابعين لنظامها نشأت من تكثيف الجاذبية لسحابة كونية بطيئة الدوران مكونة من الهيدروجين والهليوم العنصران الأساسيان في بنية الشمس أما الأرض الصغيرة فقدت هذين العنصرين لضعف طاقة الجذب لديها وقشرتها السطحية مشكلة من عناصر خفيفة من رماد كوكب أقدم ومن تحول تدريجي لعناصر مقذوفة من جوفها أما غلافها الجوي مكون من قشرة رهيفة من المادة والعمر التقريبي للأرض 4.5 بليون سنة وقوة الجاذبية الأرضية والضغط تمنع جزيئات الماء والأكسجين من الهروب خارج الغلاف الجوي .
فالتوازن الكوني أوجد الحقيقة الفاعلة لتبادل المؤثرات بين الموجودات فالتوضع المداري للقمر سبب المد والجزر في حركة البحار والمحيطات وحركة الصفائح القاعدية لسطح الأرض سببت تشكل الجبال وعزل القشرة الأرضية للحرارة الجوفية لباطن الأرض ، كلها عوامل فاعلة في مجال النشوء الحي في الواقع الأرضي مجال النشوء الحي في الواقع الأرضي .
الحياة نشأة منبثقة من الحياة العضوية في أساسها الكربوني وهي متمايزة نوعياً عن المادة غير الحية فالحياة العضوية تتصف بالدقة والاتزان والرهافة المعبرة عن وجودها بعمر تقديري يبلغ أربعة ملايين سنة تم الاستدلال عليها من حفريات معمرة بحدود مليون سنة غير أن الحياة البسيطة لوحيدات الخلية لا تظهر في طبقات الأرض لعدم احتوائها على أجزاء صلبة قابلة للتحجر والعلاقة بين الكائنات الحية قائمة على الوحدة العضوية نظراً لوحدة الكيمياء العضوية في مركباتها الأساسية بالرغم من تنوعها الجوهري .
فالمركبات العضوية كثيرة التنوع وما يجمعها مكوناتها الأساسية الداخلة في تركيبها كونها الوحدة البنائية لكل وجود حي في الطبيعة إنه وجود مبني على تصميم أساسي مشترك وعالي الدقة فالخلية الحية مصنع كيماوي معقد ومحكم التنظيم قائم على تصنيع جزيئات عملاقة في غاية الأهمية وهي الوحدة البنائية الجوهرية للحياة إنها الأحماض النووية والبروتينات والسكريات المتعددة المحتوية على الكربون وهي قائمة على التناظر والتقابل في التداخل والارتباط فالجزء الكيميائي الحيوي لا يوجد بمعزل عن غيره ولكل تفاعل وسيط خاص به يساعده على القيام بالتفاعل ويوجه مسيره وارتباطه بغيره فإذا كان للجزئ يد يكون للوسيط يد متوافق معه في التداخل المحكم ويتم التفاعل من خلال التوافق في تداخل الأبدي . إنه المبدأ الأول للتوحيد الكيميائي المعمم في جميع الكائنات الحية .
وكلما تعقد العمل البنيوي في الخلية يزداد التنظيم دقةً ليرفع مستوى الجاهزية للحياة أكثر فالتشابه المتبع في طريقة الإستقلاب القائمة على تحويل جزيْ عضوي إلى جزيْ أخر يعمق التماثل الأكثر إدهاشاً في طريقة التنظيم الأعمق في مجال الحياة العضوية فالعمليات الجارية في تركيب الخلية والإستقلاب يعتمدان على عائلة البروتينات إنها جزيئات عملاقة يصل عدد ذراتها إلى آلاف وكل نوع من البروتين يضع ذراته في مكانها المضبوط وبشكل يجعل لكل نوع من البروتينات له تركيب منفرد ومعقد له ثلاثة أبعاد وتشكيل تسلسلي أساسي يدعى بالسلاسل البيتيدية ويوجد عشرين أو أكثر من الأحماض الأمنية تستخدم في صناعة البروتينات فالأحماض الأمنية موجودة في الطبيعة الحية كلها والبروتين يماثل فقرة كتبت بعشرين حرفاً وكل نوع محدد للبروتين محدد بطريقة توضع الحروف في وجوده والبروتينات تختلف بطريقة صف الحروف والطريقة التي تتوضع فيها الحروف تشكل لغة كيماوية مختلفة ومتنوعة جداً وهي منظمة بدقة تحمل البيانات الوراثية وهذه البيانات الوراثية لها أربعة أحرف فقط أما الرسائل الوراثية في الإنسان فتبلغ أكثر من خمسين مليون من الأحرف والجهود المستمرة لحل الشيفرة الوراثية يعتبر من أهم الإنجازات البيولوجية لأنه قائم على ربط الأحرف الأربعة للمادة الوراثية بالأحماض الأمنية العشرين والمسماة بالأحرف التنفيذية .
تقوم الأبحاث الجارية على قراءة الشيفرة الوراثية وتشكيل معرفة علمية بميزاتها وخصائصها البنيوية ومعرفة الأبعاد الكلية لوجود الكائن والميزات التكوينية الداخلة في وجوده وبالتالي معرفة الماهية التي يعيش عليها الكائن وكافة المؤثرات الداخلة في بنيته التكوينية ومدى قابليته أو رفضه للمؤثرات الخارجية وتحصين وجوده من الأمراض الناشئة والطارئة إنها المعرفة القادرة على تأمين التوازن بين وجوده الحي ومحيطه الحيوي إنها التعرف على كنه الوجود الكلي للكائن الحي .
2 -الخواص الجوهري للنظام الحي :
إن معرفة الخواص يقودنا إلى معرفة المكونات الأساسية وطريقة تفاعلها وتناسق وجودها فمن أهم الخواص الكامنة في الوجود الحي وجود البروتين في تكوين التفاعل في بنيتها الأساسية كما أ، السلسلة البيتيدية المطلوبة تعزز الوجود المنفرد للكائن الحي في مجال النشوء الحي إنه المجال القادر على تأمين أنسب الظروف الخارجية لبقاء الكائن الحي فالحرارة المناسبة والمتوافقة مع حياة الكائن تعطيه القدرة على الاستمرار والتكاثر فالحرارة العالية تقتل وتفتت المكونات الأساسية لوجود الكائن والحرارة المنخفضة تعيق وجوده وتوقف نظام التفاعل في وجوده ، أما قدرة الكائن على التواصل والتكاثر والإنجاب هي من العوامل الأساسية في بقاء الكائن واستمرار وجوده في محيط مكون من صعوبات أو مضايقات فالقدرة على التكيف تجعل الكائن متجاوباً مع الطوارئ ويمتلك مقدرة ذاتية على تجاوز الصعاب ، فالكائن الحي يأخذ المواد الغذائية والطاقة الحرة ويلفظ النفايات والحرارة وهذا الأسلوب في الوجود يعتمد على النظام المفتوح ليتابع استمرار النسخ الكيميائي المتكرر لوجوده إنه النسخ المضبوط للمادة الوراثية وحدوث الأخطاء في عملية النسخ المتتابع للمادة الوراثية يحدث لديه طفرة وهذه الطفرات إما أن تحسن وجوده البنيوي ليكون قادراً على الحياة بفاعلية أكثر وأهمية خاصة تجعل الحياة قائمة على التعقيد المتكرر بشكل أكثر نوعية حتى يبدأ النظام بالتقدم ليظهر الانتخاب عبقريته من جديد أو تسوء حالة الكائن وتتأخر عن مواكبة التغير فينقرض ويموت ويعطي المجال لمن هو أنسب . وهذا ما يدفعنا لمعرفة الطريقة التي يتم فيها عملية النسخ داخل الخلية .
فالعملية تتم من خلال عائلتين من الأحماض النووية هما ( DNA وRNA ) ( د.ن.أ ) و ( ر.ن.أ ) إنه تصميم بسيط يمكن أن يكون متوافقاً ومترافقاً مع بدء الخليقة بمعنى يمكن أن يكون التخليق الأولي للحياة . إنهما عائلتان متباينتان ومتشابهتان فالـ DNA يتكون من عقد مصفوف الخرزات ومتجانس مكون من الفوسفات والسكر وتلتصق به مجموعة جانبية عند كل تكرار والخرزات هي أربعة الآدنين والكوانين والتايمين والسيتوزين يتم الاتصال بشكل تقابلي يلتصق الآدنين مع الكوانين والتايمين مع السيتوزين ويمكن أن تتكرر هذه العملية بشكل تتابعي لتشكيل رابطة مزدوجة ملتفة وبشكل حلزوني ، فالرسائل الوراثية تنتقل عن طريق التتابع المحدد للقواعد على طول السلسلتين فإذا تم التعرف على القواعد في إحدى السلسلتين عرفنا تتابع القواعد في السلسلة المرافقة ، فالقواعد الموجودة في السلسة الأولى متفقة في الارتباط مع قواعد السلسلة المرافقة فالبيانات الوراثية تسجل مرتين على كل من السلسلتين وبنفس التوافق وهذا نافع من الناحية التكوينية لأن فساد أوضاع إحدى السلسلتين يمكن إصلاحها أو إيجادها عن طريق تتابع القواعد للسلسلة المقابلة لها والعمودان غير المتوازيان في تتابعهما فإذا كان يسير في السلسلة الأولى بإتجاه الصعود فإنه في السلسلة المقابلة يسير بإتجاه الهبوط وهذا مايجعل التماثل مخالفاً أو كاذباً لأنها الطريقة المثلى والملائمة لهذا النوع من المواد الكيميائية حتى يتم التوافق والربط الدقيق على كامل السلسلتين وحتى يسهل فصلهما نظراً للترابط الضعيف بيت التصاقهما ودون أن يحدث هذا الفصل كسراً أو عطلاً في إحدى السلسلتين أو كلاهما ومهما كان التصاقهما مترافقاً فإن لكل منهما كيانه الخاص والقائم بذاته أقوى من الروابط بينهما .
والآلية الجارية لعملية النسخ مباشرة فكل سلسلة هي في طبيعتها وتكوينها قالب ينفصل ليصنع قالباً مترافقاً وموافقاً له فتكون العناصر الأربع الأساسية موجودة في كل لولب ينشأ من جديد مرافق لعائلته الأم فالجزيئات المتكاملة تجري فيها التفاعلات الكيميائية بصورة أسهل من الجزئيات المتطابقة والجزئيات السكرية تولد طاقة تدفع الولادة أو التخليق بالإتجاه المطلوب من الأحماض إنجازه وإن عملية الخلق هذه موجهة إلى الأمام في السلة الأولى وإلى الخلف في السلسة الثانية .
وكل قطعة متكونة من DNA تبدأ حياتها من قطعة من RNA ثم تلتصق يقطعه من DNA بحيث تتوفر بروتينات إضافية تقطع خيط أو جزء من RNA وتستبدله بجزء أخر من RNA ثم تعود لتربط كل شيء دون إتلاف فالآلية المتقنة لهذا العمل تجعل العملية البيولوجية صعبة الفهم فالعمليات الجارية قائمة على التوافق والتشكيل التوافقي العكسي المنسجم مع المهمة القائمة بالأعباء الأساسية لصناعة الحياة وإتمام التكاثر مما يجعل الوجود الحي متفرداً في بناء ذاته تلقائياً ومطور هذه الذات وفق غايات الوجود فالبناء الحي محكم التداخل والارتباط في مكوناته ليكون قادراً على إبداع وجوده شكلاً ومضموناً فالبساطة القائمة على إنتاج القواعد المتوافقة يقودنا إلى التصديق بأنها الطريقة المضمونة لإنتاج أقدم النظم الحية على هذا الكوكب وإن اكتشاف الطريقة الكيمائية لكيفية إنتاج البروتين يعتبر من أهم الانتصارات في البيولوجيا الجزئية .
3- المكونات الأساسية للحياة الأرضية :
ترتبط الحياة الأساسية بمجموعة عناصر مكونة لها أهمها الكربون والهيدروجين والأكسجين والنتروجين والفوسفور والكبريت يمكن أن تؤلف جزيئات عدد ذراتها بحدود الخمسين أما الجزيئات العملاقة فيمكن أن تتشكل في الحياة أو في البنية الحقة بأعداد لانهائية من هذه الجزيئات وتحتاج البنية الحية إلى كثير من ذرات العناصر كالصوديوم والبوتاسيوم والمنغنيزيوم والكلور والكالسيوم والحديد وغيرها وفي حالة التواجد الحر والمفرد لبعض العناصر تكون في حالة نشطة تسرع التفاعل مع بعضها لتكوين مركب فتندمج ذرتين من الأوكسجين مشكلاً الماء H2O والأمونيا NH3 وثاني أوكسيد الكربون CO2 والميتان CH4 .
فالغلاف الجوي المحيط بالحياة الأرضية يتكون من غاز خامل من النتروجين ومن غاز الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون وعناصر أخرى وغاز الأوكسجين ناتج عن عمليات حيوية تقوم بها الأحياء النباتية لإطلاقه في الجو عن طريق التمثيل الضوئي .
وهناك اعتقاد سائد في الأوساط العلمية بأن الهيدروجين كان جزءاً من الغلاف الجوي في الأزمان السحيقة في القدم وفق ميزان الزمن الأرضي وقد إنتشر فيها متحرراً من جاذبيتها نظراً لخفته وعدم توازنه في المجال الجوي وبعد تعاظم تواجد نسبة غاز الأوكسجين الناتج عن التمثيل الضوئي حوّل الغلاف الجوي إلى نظام كسول ونظراً لتشبع جو الأرض بالماء وفي ظروف مواتية ساهمت الأشعة فوق البنفسجية في تحليل الماء إلى عناصره الأساسية حيث انفصل الهيدروجين وانطلق في الفضاء متحرراً من الجاذبية والضغط أما الأوكسجين النشيط إنضم إلى نفسه مشكلاً غاز الأوكسجين وبدأ الجو المحيط بالأرض يأخذ شكله الحقيقي منذ 3.2 مليون سنة وتراكمت الأحياء الدقيقة في هذا الوجود مستفيدة من الظروف المناسبة وأنشأت مستعمرات حيوية لكائنات خلوية قائمة على التغذية الذاتية من المواد المتخمرة والغازات الجوية وبعد الاستقرار النسبي لكوكب الأرض غطته كميات هائلة من المياه وطاقة متدفقة من الشمس وزيادة في كمية العواصف الكهربائية على شكل برق متتالي ونشاط بركاني هائل أدى لحدوث تغيرات كيماوية في بنية الوجود الأرضي توافق مع وجود جزئيات عضوية في المياه الضحلة والطينية ويمكن أن تكون قد تكونت من الجزئيات المنشورة في الغلاف الجوي وناشئة عن تلازم الشحنات الكهربائية والأشعة فوق البنفسجية ومصادر أخرى للطاقة شكلت في البدء خليطاً مخففاً من المواد العضوية كانت مقدمة أولية ومادة أساسية لبناء أقدم النظم الحية . فالصيغة الحية للوجود هوا قدرتها على الإنتخاب الطبيعي بمعنى قدرتها على تجديد نفسها تلقائياً ومن خلال ضم جزئيات الفوسفات وتلازم التكيف النسبي مع الوجود الطبيعي استكملت بناء جزئي من RNA النشيط والبيتدات ذات السلاسل القصيرة ساهمت في إيجاد صيغة هي أفضل مايمكن لإجراء عملية النسخ حيث بدأ الجين الأولي شيئاً فشيئاً قادراً على توليد ذاته ويمتلك إمكانية التأثير في بيئته بوجود أنزيم مناسب تلقفه من الحساء العضوي وهذا أقرب تخمين عقلي مناسب لوجود ونشأة الحياة على الأرض غير أن الأمر القاطع والأكيد بأن الحياة على الأرض يمكن أن تكون قد نشأت بفضل وجود معجزه تفوق قدرتنا على التصور لأن التلازم الكوني وانسجام مكوناته الفاعلة وقدرة التبادل والانتقال قد ترجح رأياً مخالفاً يقوم على أن الحياة الموجودة على هذه الأرض ناتجة عن بذور كونية موجهة في الظرف الناسب والوقت المناسب لأن الحياة الأرضية تعطي أدلة معينة بأن خلوها من الحياة والحياة الموجودة عليها يحتاجان للتوافق في التدرج والتكوين وإعادة بناء الحياة والحلقة المفقودة بين الكينونتين هو نشأة الحياة بشكل ما .
فالعمر الموافق لظهور الثدييات وتنوعها ترافق مع انقراض الديناصورات وهذا مايدعو إلى التساؤل والاستنتاج بأن الديناصورات هي أسوأ ما أنتجته الحياة ومايلفت الانتباه بأن انقراضها التام والكامل عن وجه هذا الكوكب يمكن أن يكون قد تم بمعجزة أخرى أو بفعل موجة فالحقيقة العقلية المتلازمة مع كينونة الوجود نتجت من بنيته وسحبت كل مايؤثر على وجوده فالانهيارات الكونية وحطام المذنبات الكونية والكثير من القوى الضارة بالوجود لفظها الوجود ذاتياً انسجاماً مع التكافؤ الذاتي لهذا الوجود .
فالتلازم المطابق لوجود الثدييات وتصورها السريع خلق مجالاً واسعاً للنشوء الحي ونمو الذكاء والتكيف مع البيئة والقدرة على تجاوز العقبات باعثاً قوياً على استمرار الحياة وظهور التنوع الهائل في وجودها فالبيئة المناسبة والطاقة الكامنة في الوجود واحتواء العقل و تنامي الإشراق إشراق الكون وإشراق الوعي سرّع الوجود الحي تكويناً وانتشاراً قاهراً كل الصعاب .
المرجع المعتمد :
طبيعة الحياة – تأليف : فرانسيس كريك – صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – ترجمة : د. أحمد مستجير – سلسلة عالم المعرفة

ليست هناك تعليقات: